الشواهد الشعرية في كتاب "شرح قطر الندى وبل الصدى" لابن هشام الأنصاري

ملخص الرسالة

الشواهد الشعرية في كتاب "شرح قطر الندى وبل الصدى" لابن هشام الأنصاري

المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أفضل خلق الله أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من مظاهر الاهتمام باللغة العربية العناية بعلمائها الذين أثروا ساحتها بما ألفوا من كتب، وأنفقوا فيها وقتًا طوي ً لا وبذلوا في خدمتها جهودًا كبيرة لا تحصى.

ولعل أقل واجب نقوم به تجاه أولئك العلماء هو بعث ذلك التراث المجيد الذي خلفوه ودراسة آثارهم دراسة علمية وافية لمعرفة الأصول التي أقاموا عليها منهجهم العلمي، وبنوا عليها مصنفاتهم. من أجل ذلك كان اقتناعي بدراسة أثر لعالم من علمائها الأجلاء الذين حملوا لواء العربية، ألا وهو ابن هشام الأنصاري، أستاذ علوم العربية بمصر وصاحب الثقافة العلمية الواسعة خاصة في علم النحو الذي صنف فيه المصنفات العديدة، حتى حدا بابن خلدون أن يقارنه بسيبويه وابن جني حيث قال: " ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه " وقال: " إن ابن هشام على علم جم يشهد بعلو قدره في صناعة النحو، وكان ينحو في طريقته منحاة أهل الموصل الذين اقتفوا أثر ابن جني، واتبعوا مصطلح تعليمه، فأتى من ذلك بشيء عجيب دالًا على قوة ملكته وإطلاعه ".

ألا يكفي هذا وحده للوقوف على واحد من مؤلفاته، وتناول مقتطفات من حياته؟

لذلك جاء اختياري لموضوع هذا البحث للوقوف على حياة ابن هشام والتعريف بكتابه "شرح قطر الندى وبل الصدى " ومن ثم دراسة شواهده الشعرية بصفة خاصة.

والمنهج الذي اتبعته في كتابة هذا البحث " شواهد شرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام الأنصاري " يقوم على الآتي:

أولًا: اقتصرت على تقسيم البحث باستثناء المقدمة والخاتمة إلى أربعة فصول وقسمت الفصول إلى مباحث رغبة في ترابط البحث.

يشتمل الفصل الأول على ثلاثة مباحث، تناولت في المبحث الأول حياة ابن هشام الأنصاري وآثاره. تحدثت فيه عن نسبه، ومولده، ونشأته، وأسرته، وأخلاقه وصفاته، ووفاته وشيوخه وتلاميذه، ثم مكانته العلمية، ثم عددت آثاره ومؤلفاته المطبوعة والمخطوطة ووصفت ما وقعت عليها.

وعرضت في المبحث الثاني لبيان مذهبه النحوي واختياراته شارحةً موقفه من المدرستين الخلافيتين البصرية والكوفية. وذكرت بعض المسائل التي وافق فيها البصريين وخالف فيها الكوفيين، وكذلك بعض المسائل التي وافق فيها الكوفيين وأوضحت اختياراته التي تظهر فيها شخصيته النحوية القوية، مشيرة إلى أنه لم يكن متعصبًا لفريق بعينه ضد الآخر وإن كان يؤيد البصريين في كثير من آرائهم، ويصرح بانتمائه لمذهبهم.

وعرضت في المبحث الثالث لمصادر الاحتجاج في اللغة العربية حيث قارنت بين الاستشهاد والاحتجاج والتمثيل.

ثم تحدثت أولًا عن الاستشهاد بالقرآن الكريم، ثم الاستشهاد بالحديث النبوي، وأوضحت موقف ابن هشام من الاستشهاد بالحديث فقد كان من المجيزين للاستشهاد به وقمت بإيراد الأحاديث التي استشهد بها في كتابه " شرح قطر الندى " موضحة طريقة استشهاده. ثم وجهت عنايتي إلى الاستشهاد بالشعر العربي واهتممت بالشاهد الشعري بصفة خاصة، وذلك لأن البحث هنا عن الشواهد الشعرية " حيث اهتممت بأغراض الاحتجاج سواء أكانت لفظية أو معنوية.

ثم عرضت لأهم الضوابط التي وضعها العلماء للاحتجاج بالشاهد الشعري ومن ذلك أن يصدر الشاهد من الشاعر العربي الفصيح الموثوق بعربيته، وأن تغلب عليه البداوة والفصاحة فلم يؤخذ من حضري قط، وكذلك معرفة القائل.

وكذلك اهتممت بالعامل الزماني الذي حدده العلماء للشاهد الشعري وخاصة بعد اختلاط العرب مع العجم. فقبلوا كل ما كان قبل منتصف القرن الثاني الهجري، ثم أوضحت طبقات الشعراء الأربعة، وبينت إجماع العلماء على الاستشهاد بشعر الطبقتين الأولى والثانية الجاهليين والمخضرمين والاختلاف في الاستشهاد بشعراء الطبقة الثالثة وهي طبقة الإسلاميين، أما الطبقة الرابعة فهي طبقة المولدين والمحدثين فهؤلاء لا يجوز الاستشهاد بشعرهم باتفاق الجميع.

والمنهج الذي أتبعته في دراسة هذه الشواهد يقوم على الأتي:

أولًا: نسبة الشاهد لقائله ما أمكن ذلك مع بيان وزنه الشعري.

ثانيًا: إيراد ترجمة موجزة لقائله، وقد تكون الترجمة مطولة إذا كان قائله من المغمورين.

ثالثًا: حاولت إكمال الأبيات الناقصة ما وجدت إلي ذلك سبيلًا.

رابعًا: حددت مواقع الشواهد في مصادرها من الدواوين والمجموعات الشعرية وكتب النحو والصرف، ثم قمت بتوضيح موضع الاستشهاد في البيت وذكر من استشهد به من النحويين مقارنة آرائهم مع ما أورده ابن هشام ثم أشرت إلى الاختلاف في رواية البيت، مع شرح الشاهد في الحاشية إذا كان من الغريب.

أما الفصل الثاني فيشتمل على جميع شواهد الأسماء التي أوردها ابن هشام، والملاحظ على هذا الفصل كبر حجمه مقارنة مع بقية الفصول ولعل ذلك يعود لكثرة شواهد الأسماء مقارنة مع غيرها من شواهد الأفعال والحروف.

أما الفصل الثالث فيضم ما استشهد به ابن هشام من شواهد الأفعال والفصل الرابع يحتوي على شواهد الحروف، ورتبت هذه الشواهد على حسب ما أوردها ابن هشام في كتابه "شرح قطر الندى وبل الصدى" غير أني قمت بضم بعض الشواهد إلى بعضها إن كانت تتناول موضوعًا نحويًا مشتركًا.

أما المصادر التي اعتمدت عليها في دراسة هذا البحث فكثيرة متنوعة منها كتب التراجم والسير، وكتب النحو بصفة عامة وكتب ابن هشام بصفة خاصة، ومن كتب ابن هشام التي اعتمدت عليها كتاب " شرح قطر الندى وبل الصدى "، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد وهو ما قمت بدراسة شواهده بالإضافة إلى كتبه الأخرى كالمغنى، وشذور الذهب وأوضح المسالك وتخليص الشواهد وغير ذلك من كتب التفسير والدواوين الشعرية وعلوم القرآن واللغة.

ومن أهم الصعوبات التي واجهتني في هذه الدراسة المعاناة في الحصول على المراجع والمصادر، وحتى إن وجدت فهي لا تفي بالغرض. وغير ذلك محاولة إبراز هذا البحث في أحسن صورة.

وبالرغم من إنني لم أدخر وسعًا في البحث خلال المصادر مسجلة كل ما له علاقة بابن هشام، إلا أن ما ورد في كتب التراجم والسير التي ترجمت لابن هشام لم تذكر عن حياته إلا القليل والنادر، خاصة أسرته ونشأته الأولى وما ذكر لم يتح لنا التعرف على حياته الأولى، وكل ما أورد عبارة عن أخبار قصيرة وموجزة تتسم بالطابع العام للتراجم ولا تفي بحاجة الباحث.

وبعد فإني لا أدعى الكمال في بحثي هذا وإنما هي جهود باحثة مبتدئة وآراء تحتمل المناقشة والدرس ولا أريد أن أتحدث عما كلفني هذا البحث من الجهد والوقت وإنما عن الفائدة التي جنيتها من خلال بحثي وتنقيبي في أمهات الكتب وقبل كل ذلك توفيق الله سبحانه وتعالى الذي كان له أكبر الأثر في إكمال هذا البحث، والشكر أولًا وأخيرًا لله.

الخاتمة:

تناولت في هذا البحث بحمد الله وعونه دراسة الشواهد الشعرية في كتاب " شرح قطر الندى وبل الصدى " لابن هشام الأنصاري، وقد تناولت الحديث عنه في أربعة أبواب تسبقها مقدمة وتقفوها خاتمة مع وضع الفهارس، وقد خلصت إلى النتائج التالية:

• اعتنى ابن هشام بشواهده عناية كاملة، فقد كان أكثر النحاة إيرادًا للشواهد الشعرية التي كان لها النصيب الأوفر إذا ما قورنت بشواهده من القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف. فقد تنوعت شواهد ابن هشام الشعرية ولم تنحصر لشعراء عصر بعينه فقد استشهد بشعر شعراء العصر الجاهلي أمثال امرؤ القيس، ولبيد، والنابغة، وكذلك استشهد لشعراء مخضرمين أمثال حسان بن ثابت وغيرهم. وقد أورد ابن هشام اثنان وسبعون بيتًا لشعراء معروفين قد ذكرت في كتب النحو المختلفة، وثلاثة وعشرون بيتًا من شواهد سيبويه. وقد استخدمت شواهده في شتى الأغراض اللفظية والنحوية والمعنوية، وجرت على وفق منهج النحويين واللغويين. فهي لم تخرج عن دائرة الاستشهاد النحوي التي حددها النحاة، إلا اليسير الذي جاء عرضًا.

• في كثير من الأحيان لا ينسب ابن هشام الشواهد إلى قائليها فيقول: " ومن ذلك قوله أو قول الشاعر أو منه كذا أو قول الآخر وفي أغلب الأحيان يذكر البيت كاملًا، وأحيانًا يذكر شطرًا منه.

• وقد نهج ابن هشام في معالجة هذه الشواهد نهج النحاة الذين سبقوه، ودار في فلكهم مستعملًا شواهدهم وأدلتهم التي استخدموها لتوضيح قواعد النحو وتقرير أحكامه فأنشد لسيبويه وثعلب وابن السراج وغيرهم من العلماء.

• كان ابن هشام من النحويين المجيزين للاستشهاد بالحديث النبوي الشريف وكان يكثر من الاحتجاج به في كتبه عامة وكتابه "شرح قطر الندى" بصفة خاصة ما وجد إلى ذلك سبيلًا، كغيره من النحاة ولعل هذا من الأسباب التي جعلته كثير المخالفة لشيخه أبي حيان شديد الانحراف عنه. فقد كان أبو حيان من أئمة النحو الذين لا يعتمدون على الحديث النبوي ولا يعدونه أصلًا من أصول الاستشهاد به في مسائل النحو مثل القرآن وفصيح كلام العرب.

• تشخيص ابن هشام كما كان في حياته على علم وذكاء جم، تلك الشخصية القوية التي لا تتقبل رأيًا إلا بعد بحث ومناقشة وتمحيص ولا تصدر حكمًا إلا بعد أن تسلط عليه ضوء العقل وأشعة الفكر لتبين وجه الحق، لذا انتهينا إلى إن ابن هشام كان نحويًا حاذقًا مستقل الفكر والرأي، صاحب رأي قوي ومنطق جلي وحجة بينة ظهرت لنا من ثقافته الواسعة ومن قوة فكره ودقة فهمه، واستخلصنا كل ذلك من خلال أقوال العلماء و الحكماء عنه وما أعانت به المصادر من خلال ما ذكرته عنه، ومن تلك الآراء التي أطلقها جازمة وقوية في مخالفته لبعض النحويين أو مناقشته لشيوخه.

• كان ابن هشام بصري النزعة غالبًا ويظهر ذلك من خلال ترجيحه لآراء المدرسة البصرية عندما يعرض الآراء المختلفة في المسألة الواحدة مما لا يجعل لدى الباحث أي شك في ميله نحو المذهب البصري، بل أنه كان يصرح بميله إليهم فيقول وهو يعني البصريين - " أصحابنا " أو عندنا ".

• ويلاحظ أن ابن هشام لم يأت بأحكام وآراء نحوية شاذة عن مألوف النحويين.

• من الملاحظ على هذه الدراسة كثرة اختصاره للأحكام النحوية مقارنة مع كتب النحو الأخرى، غير أنه يتميز بالدقة والبراعة في التعريف وإصدار الأحكام. ومن ذلك قوله: " مضي أن الفاعل مرفوع أبدًا، وأعلم الآن أن المفعول منصوب أبدًا والسبب في ذلك أن الفاعل لا يكون إلا واحدًا والرفع ثقيل، والمفعول يكون واحدًا فأكثر، والنصب خفيف؛ فجعلوا الثقيل للقليل، والخفيف للكثير قصدًا للتعادل.

• في بعض الأحيان يذكر ابن هشام أكثر من شاهد على المسألة النحوية الواحدة ولا يهتم بالتعليق على الشواهد، أو ذكر موضع الاستشهاد بها.

• هنالك بعض الشواهد لا وجود لها في مصادر اللغة العربية ولا كتب النحو الأخرى فلعلها من ما تفرد به ابن هشام.

• هنالك بعض الشواهد التي أوردها النحاة للاستشهاد بها على مسألة معينة، ولكن ابن هشام أورد هذه الشواهد وتفرد بموضع الاستشهاد بها، كأنه يريد أن يبين أن هذا الشاهد يحتمل أكثر من موضع للاستشهاد به

• هنالك بعض الشواهد التي كررها ابن هشام في كتابه، فبعضها أورده في باب البناء ثم عاد وذكرها مرة أخرى في باب المبتدأ والخبر.

• وأخيرًا الملاحظ على هذه الدراسة بعد ترتيب الشواهد وتصنيفها أن أبواب هذا البحث غير متساوية، وإن شواهد الأسماء أكثر من شواهد الحروف والأفعال، الشيء الذي جعل الفصل الثاني من هذا البحث أطول من الفصول الأخرى.

فهرس الموضوعات